انظروا إلى نتيجة فعلتكم الشنعاء :
لم تزد المؤمنين به إلا محبة له وتوقيرا لمقامه ورغبة في الاجتهاد في تعزيره وتوقيره والدفاع عنه ، بل وحدث ما لم نره من زمان بعيد أن تجتمع كلمة المسلمين وأن تتوحد صفوفهم حكاما ومحكومين طلبا للانتصار لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وحتى المنافقين قالوا كلمتهم واجتهدوا مخلصين أو غير مخلصين في نصرة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ..
*** موتوا بغيظكم ***
ثالثا : وهنا أقول ، وبملء فمي وأعلى صوتي :
<<< لا تعتذروا .. لا تعتذروا >>>
نعم لا تعتذروا .. ونحن نعلم والله بيقين أنكم لن تعتذروا ، ولعل عدم اعتذاركم ينبه بقية الغافلين المخدوعين عن دفائنكم وخباياكم التي بينها كتاب ربنا جل جلاله ، وجلاها نبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ..
قال ربي وأحق القول قول ربي للمنافقين حين أرادوا أن يعتذروا ، وبمثلها نقول :
{ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} [سورة التوبة :66] ..
{ لاَّ تَعْتَذِرُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} [سورة التوبة :94] ..
ثم قال ربنا جل جلاله سبحانه الملك :
{ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [سورة التوبة :95] ..
ونهدئ من روع الذين يشحذون الاعتذار ويتسولون له ولهم معا :
<<< لا تعتذروا >>>
فنبينا أغلى وأغنى وأعلى من أن نتكفف رد اعتبار من أمثالكم ، فاعتباره مرفوع في السماء قبل أن يرفع في الأرض ، ومحفوظ عند الخالق جل وعلا قبل أن يحفظ عند المخلوقين ..
<<< لا تعتذروا >>>
فلعل عدم اعتذاركم يعجل بانتقام الله منكم ، وهو وحده القادر على أن يكفينا ويكفي نبينا شر حقدكم ، ويحوله إلى فتح لدعوته ، واستجلاء لشخصيته ، ورفعة لاتباع هديه وسنته ..
قال ربنا جل وعلا : {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ *إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [سورة الحجر :94-96] .. وسوف يعلمون ...
<<< لا تعتذروا >>>
<<< حقا ....... لا تعتذروا >>>
فاعتذاركم وإن حصل لن ينفعنا ، ولن يفيد رسولنا بشيء ؛ بل نعلم من مكركم ودهائكم وتلونكم أن اعتذاركم إن حصل سيكون سياسيا أو دبلوماسيا أو حتى اقتصاديا بسبب خسارتكم للمكاسب الدنيوية التي هي عندكم أقدس المقدسات ..
وحينها لو فهم المسلمون فلن يفلح اعتذاركم في إطفاء هذه الغضبة في قلوب المسلمين ..
حقا ... لا تعتذروا .. فنحن لا نحتاج إليها ولن نحتاج ..
ولأحبتي من المسلمين الصابرين المخلصين ، أصحاب منهج الحق أقول كلمتين لابد منهما :
إن حقيقتين عظيمتين لا بد لإخوتي في الله وأحبتي من إدراكهما وفهمهما حق الفهم :
الأولى : أن المستقبل لهذا الدين ، والعاقبة للمتقين ؛ جاء بذلك حكم الله وقضاؤه سبحانه ولذلك نحن منه على يقين ...
قال الملك جل جلاله : {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [سورةغافر : 51] ..
وقال سبحانه وتعالى : {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ} [سورة الروم : 47] .
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :«ليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل و النهار و لا يترك الله بيت مدر و لا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل يعز بعز الله في الإسلام و يذل به في الكفر » .
الثانية : أن الله ناصر من نصره واستمسك بدينه ، وخاذل من خذل دينه وعصى أمره واتبع هواه ...
قال عز من قائل : {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [سورة الحج : 40] ...
وقال الملك الكبير المتعال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [سورة محمد : 7] ..
وقال عز وجل : {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} [سورة آل عمران: 150] ..
وقال جل جلاله سبحانه : {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ} [سورة يوسف : 110] .
ولابد لنا مع هاتين الحقيقتين الجليلتين من وقفات :
أن لا يأس ولا قنوط ؛ فعقيدتنا منصورة ، وديننا ممكّن ، وعلينا الجزم بذلك وعلمه علم اليقين ؛ لنعيش بنفسية آملة متفائلة ، تركز نظرها على النور ، وتتجه للاجتماع على ضوئه .
ومع أن الفأل الحسن وحسن الظن بالله تعالى من أهم المقومات للمؤمن المطمئن دائما ، إلا أن أهمية ذلك تزداد حين ندرك أن من أهم مرامي عدونا : إضعاف معنوياتنا ، وغرس اليأس والإحباط في دواخلها ، ليقتل الهمم، ويستأصل باعث العمل من نفوسنا ؛ لأن الأمة اليائسة لا تصنع شيئاً .
أن طاعة الله تعالى ولزوم شرعه هو مفتاح النصر وبوابة التمكين ، وأنه لا سبيل لهذه الأمة لنيل الرفعة والظفر بالعزة إلا عبر ذلك .
يقول الفاروق - رضي الله عنه - : « إنا كنا أذلّ قوم ، فأعزنا الله بالإسلام ؛ فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به : أذلنا الله » .
وعليه فقد جعل الله تعالى عزنا وذلنا معاشر المسلمين بأيدينا لا بأيدي غيرنا ، ومصداق ذلك من كتاب الله قوله سبحانه وجل في علاه : {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة آل عمران : 165] ، فأعمالنا هي سبب ما أصابنا ويحلّ بنا ، وهي نفسها باعث الإصلاح وشرطه ، ومقوِّم التغيير المأمول ، قال تبارك وتعالى : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [سورة الرعد : 11] .
أن النصر يتخلف بانتفاء شروطه ووجود موانعه ، والمتأمل في واقعنا يجد أن الإيمان ضعيف ، وما يقدح في أصله أو كماله كثير ، والأمة غارقة في بحور الشهوات والشبهات ، وهي فوق ذلك في غفلتها تهيم ؛ فهي أكثر ما تكون تشتتاً وفرقة ، وأبعد ما تكون عن الأخذ بالأسباب في سبيل العزة ورفع راية الدين.
أما إذا جئت إلى أوساط الهداة ومبعث الأمل العلماء والدعاة ؛ فمع كثرة خيرهم وعموم نفعهم إلا أنك تشاهد أمراضاً شتى ، الواحد منها يعوق النصر ويمنع التمكين ؛ فكيف بها مجتمعة ؟ فأنت ترى في بعضهم قلة في الفقه ، وضعفاً في النظر ، أو تقصيراً في التبليغ والبيان ، وطلباً للدنيا وتأكُّلاً باسم الدين ، وفرقة وتشرذماً وتحزباً في أحيان كثيرة على غير الدين ...
وهلُمَّ جراً .
إنها بحق حالة مزرية ، هي أبعد ما تكون عن استحقاق النصر وأهلية التمكين ، ولكن لا يأس ؛ بل الأمل قوي ...
مع شدة الضعف وعظم الهوان إلا أن الأمر لم يبلغ من السوء مبلغ اليأس منها والعجز عن إصلاحها ؛ إذ الأمة مع شدة المرض ما برحت حية لم تمت ، وما زالت تملك كثيراً من مقومات القوة وعوامل التغيير التي لم تستثمر بالصورة المطلوبة بعد .
لكن كل ذلك لن يجدي ما لم ينهج المصلحون المنهج النبوي في بيان الحق وإصلاح الخطأ والرد على الباطل .
وحين يتأمل المرء في حال هداة عصرنا ومناهجهم في التغيير يجدهم طرائق شتى :
* ففئات تأخذ جانباً من الجوانب المطلوبة للتغيير ، وتضرب صفحاً عن بقية الجوانب .
* وفئات تستعجل الطريق ، فتختار مرحلة متقدمة من مراحل التغيير ، قافزة على ما دونها من المراحل التي لا قيام للمرحلة المختارة إلا بها .
* وتلك تتطلع إلى الحكم مرددة ما روي عن الفاروق عمر - رضي الله عنه - : « إن الله ليَزَع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن » .
* وفئات داخلها الخور والخوف فخشيت الأذى ، أو ركنت إلى الدنيا وملذاتها ، وزين لها الشيطان سوء عملها .
وكل هذه الطرائق مهما حققت من خير لن تقود إلى إصلاح الأمة ؛ لأنها أخذت ببعض الكتاب وتركت بعضه.
ولذلك فإنهماعائقان متقابلان هما أعظم عوائق نجاح دعوات الإصلاح والتغيير : الاستعجال ، والضعف والخور .
فأما الأول : فيقود إلى الهلكة مهما كان قصد صاحبه حسناً ؛ لفقد الرفق والحكمة ، وعدم إعطاء البعد الزمني حقه .
وأما الثاني : فيحول بين الإنسان والعمل ليلجأ بعدها ضعيف النفس إلى التسويغ لخوره والتأصيل لضعفه وإعطائه بعداً شرعياً .
ومن يتأمل في هدي نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يجد أنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بذل غاية وسعه في الإصلاح بطريقة قوية وإصرار .. كل ذلك في ظل تؤدة ورفق ، وحكمة ظاهرة ، وأخذ بالأسباب الشرعية ، وإتيان للبيوت من أبوابها .
فإنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم دعا وعلّم ، وبنى وربّى ، وآخى ووحد ، وأقام دولة الإسلام ، وأقام شرائع الإسلام في المجتمع ، بعد عمل وجهد جهيد ، وصبر طويل ، وخطوات متأنية .
ذلك كان هديه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم :{ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ } [الشورى :15] .
فإذا أردنا لأمتنا فلاحاً ولأنفسنا نجاحاً فلنسلك مسلكه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، ولْنسر على نهجه ، فلن يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به حال أولها .
وفي ظل هذا الواقع المأساوي رغم وجود هذه الكوكبة المشرقة من العلماء الربانيين والدعاة الصادقين وأبناء الصحوة المباركة ؛ فإن واجب الوقت من حيث الجملة هو بيان الحق والدعوة إليه ، وتعليم الدين وتربية أبنائه عليه ؛ حتى تُحمى البيضة ، ويُحافظ على الهوية .
وفي سبيل تحقيق ذلك والتمكين له ؛ يجب تجاوز الصعاب وتحمّل الأذى مهما بلغ الأمر .
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [سورة يوسف : 21] .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
بقلم العلامه المربي////////محمد حسين يعقوب حفظه الله